خرج علي رضي الله عنه من بيته ذات يوم، فلما رآه أصحاب عبد الله بن سبأ خروا له سجداً، فقال: كيف تسجدون لغير الله؟! قالوا: أنت هو! قال: من هو؟ قالوا: أنت الله..!
فعظم ذلك عليه جداً رضي الله عنه، وأنذرهم وأمهلهم ثلاثة أيام كي يتوبوا، فمرت الثلاثة الأيام ولم يتوبوا، فحفر الأخاديد وأشعلها ناراً، وألقاهم فيها رضي الله عنه، واعترض على ذلك -أي على العقوبة بالنار- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، محتجاً بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم -وسمعه منه- أنه قال: {لا تعذبوا بعذاب الله}، وعلي رضي الله عنه لم يرد بتعذيبهم بالنار إلا زيادة النكاية بهم، فكان ذلك فتنة لهم، حيث إن عبد الله بن سبأ لم يُلقَ في النار، وإنما كان ممن نفي إلى المدائن -التي كانت عاصمة الفرس- فلما نفي أخذ ينشر عقيدته الخبيثة، ويقول: ألم أقل لكم إنه إله؟! لا يعذب بالنار إلا الله - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - وإنما نفاه علي إلى المدائن، لأنه خاف إن قتله أن يحدث في جيشه فتنة، ووجد ابن سبأ المناخ المناسب لزرع بذرته، حيث إن بلاد الفرس لديها القابلية لعقيدة الحلول؛ لأن عقيدة الحلول والاتحاد موجودة في دين المجوس من قبل، ولديهم شيء آخر وهو أنهم يعظمون الأسر الحاكمة، ويرون أن الحكم لا يكون إلا وراثياً متسلسلاً في بيت كسرى، ولهذا لما مات كسرى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يولوا رستم ولا جابان ولا ماهان، ولا الهرمزان، ولا غيرهم من الأبطال والقادة، وإنما ولوا بنت كسرى -وكانت لا تزال في شبابها، ولا خبرة لها بالملك ولا بالحكم- التزاماً بقاعدة أن الملك لا يكون إلا وراثياً، وهذه قاعدة راسخة لديهم.
وكانوا يعتقدون أن في ملوكهم جزءاً من الألوهية، وأن الله يحل في هؤلاء الملوك -تعالى الله عما يقولون- فوجدها عبد الله بن سبأ فرصة، وكان في بلاد فارس -ولا يزال- يهود في أصفهان وفي غيرها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفاً}، فهم لا يزالون إلى أن يظهر الدجال، وهم يتعاونون مع أعداء الله تعالى، ومع كل حاقد على الإسلام إلى يوم خروج الدجال؛ فلما ألقى عبد الله بن سبأ بذرة التشيع، كان ذلك مما تلاءم مع عقائد أولئك القوم.
ويضاف إلى ذلك أمر مهم جداً، وهو حقد أولئك القوم على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ؛ لأنه هو الذي دمرت جيوشه مملكتهم، وهدمت عرشهم، وأسقطت دينهم وحضارتهم وأذلتهم، وهؤلاء الشيعة ينادون أن خلافة أبي بكر وعمر باطلة، وأنهما كانا كافرين، رضي الله عنهما، وأنهما اغتصبا الخلافة من علي، وأنكرا ما أمر به الله ورسوله من حق علي في الخلافة.
فناسب هذا ما كان يريده عبد الله بن سبأ، فانتشر التشيع في تلك البلاد -خاصة- دون غيرها لتلك الأسباب، فاستطاع بسهولة أن يقول لهم: إن علياً هو الأولى بالخلافة؛ لأنه أقرب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر من بني تيم، وأما عمر فهو من بني عدي، فهذا أقرب إلى ما كانوا يألفونه من تسلسل الملك، وكذلك الغلو والحقد الموجود لديهم موجود لديه، فاتفق الجميع، وانتشر بذلك هذا المذهب الخبيث، وهو مذهب الرافضة.